بسم الله الرحمن الرحيم
إعداد
ياسين بوفوس
أحمد محمد
حسن أزروال المالكي
مقدمة
- إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا
- و بعد :
- فهذا هو الكتاب الثاني ضمن سلسلتنا المباركة " المدخل إلى المذهب المالكي " عرفنا فيه بعض أصول المذهب المالكي, و حاولنا تقريبها إلى عموم الطلبة, نسأل الله تعالى أن يتقبل منا هذا العمل, و ينفع به كل من قرأه.
- و الحمد لله رب العالمين
أولا : مفهوم المذهب و الأصول .
1 ـ مفهوم المذهب : هو حقيقة عرفية فيما ذهب إليه إمام من الأئمة من الأحكام الإجتهادية.
و الحقيقة أن المذهب لا يطلق فقط على أقوال الإمام,بل حتى أقوال تلامذته و علماء المذهب,يقول العلامة العدوي في حاشيته : المراد بمذهبه, ما قاله هو و أصحابه على طريقته...)
1 ـ مفهوم الأصول.
ـــ تعرف بأصول الفقه و إليك نبذة عن هذا العلم.
أولا : تعريف مصطلح "علم أصول الفقه" وموضوعه وأهميته :
- تعريف علم أصول الفقه باعتباره مركبا إضافيا :
عرف الكثير من الأصوليين علم أصول الفقه باعتباره مركبا إضافيا ، وأنه مؤلف من ثلاث كلمات ، وهي علم ، وأصول ، وفقه ، ولابد من فهم معنى كل كلمة على حدة لفهم المعنى العام لعلم أصول الفقه ، وإدراك مضمونه وحدوده .
1 : العلم :
العلم في اللغة هو المعرفة واليقين والشعور ، وفي الإصطلاح هو إدراك الشيء ومعرفته وبمعنى آخر هو إدراك الأصول ومعرفتها .
2 : الأصول :
الأصول جمع أصل وهو ما يبنى عليه غيره، ومن ذلك أصل الجدار وهو أساسه، وأصل الشجرة الذي يتفرع منه أغصانها قال الله تعالى في الآية 24 من سورة ابراهيم : {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} ، وفي الاصطلاح: يقال على الراجح، والمستصحب، والقاعدة الكلية والدليل .
3 : الفقه :
الفقه في اللغة الفهم ، وإدراك معنى الكلام ، ومنه قوله تعالى في الآية 27 و 28 من سورة طه : {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يفْقهُ قوْلي} وفي الاصطلاح: معرفة الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية.
- تعريف علم أصول الفقه باعتباره لقبا :
هو العلم بالقواعد والبحوث التي يتوصل بها إلى استفادة الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية، أوهي مجموعة القواعد والبحوث التي يتوصل بها إلى استفادة الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية.
أي أن علم أصول الفقه هو العلم بالقواعد والضوابط الكلية التي يستطيع المجتهد بواسطتها أن يعرف الأحكام الشرعية ،ويستخرجها من الآيات والأحاديث وغيرها من مصادر التشريع .
- موضوع علم أصول الفقه وأهميته :
من موضوعات علم الأصول : مصادر الحكم الشرعي بذاتها، وما يثبت منها من الأحكام، وكيفية الاستدلال بها، وحال المسْتَدِل ،وتكمن فائدته في التمكن من المعرفة بالأحكام الشرعية من الأدلة.
بعد التقديم لعلم أصول الفقه ،نشرع الآن في الحديث عن الأدلة الشرعية ،وقبل ذلك نمهد بتعريف مصطلح الأدلة الشرعية وبيان أقسامها .
- التعريف بمصطلح الأدلة الشرعية :
الدليل معناه في اللغة: الهادي إلى أي شيء حسي أو معنوي، خير أو شر، وأما معناه في اصطلاح الأصوليين فهو: ما يستدل بالنظر الصحيح فيه على حكم شرعي عملي على سبيل القطع أو الظن. وأدلة الأحكام، وأصول الأحكام، والمصادر التشريعية للأحكام، ألفاظ مترادفة معناها واحد.
وبعض الأصوليين عرّف الدليل بأنه: ما يستفاد منه حكم شرعي عملي على سبيل القطع.
ولكن المشهور في اصطلاح الأصوليين أن الدليل هو ما يستفاد منه حكم شرعي عملي مطلقا، أي سواء أكان على سبيل القطع أم علي سبيل الظن، ولهذا قسّموا الدليل إلى قطعي الدلالة، وإلى ظني الدلالة.
وبتعبير أبسط الأدلة الشرعية هي الأصول والمصادر التي يستعين بها الفقيه والمجتهد للوصول إلى حكم شرعي .
- أقسام الأدلة الشرعية :
تنقسم الأدلة الشرعية إلى قسمين أدلة متفق عليها وأدلة متفق عليها .
فالأدلة الشرعية المتفق عليها أربعة القرآن والسنة والإجماع والقياس .
الأدلة الشرعية بالإجمال بالإجمال: ثبت بالاستقراء أن الأدلة الشرعية التي تستفاد منها الأحكام العملية ترجع إلى أربعة: القرآن والسنة والإجماع والقياس، وهذه الأدلة الأربعة اتفق جمهور المسلمين على الاستدلال بها، واتفقوا أيضاً على أنها مرتبة في الاستدلال بها هذا الترتيب: القرآن، فالسنة، فالإجماع، فالقياس ، أي أنه إذا عرضت واقعة، نظر أولا في القرآن، فإن وجد فيه حكمها أمضى، وإن لم يوجد فيها حكمها، نظر في السنة، فإن وجد فيها حكمها أمضى، وإن لم يوجد فيها حكمها نظر هل أجمع المجتهدون في عصر من العصور علي حكم فيها؟ فإن وجد أمضى، وإن لم يوجد اجتهد في الوصول إلى حكمها بقياسها على ما ورد النص بحكمه.
أولا : الكتاب
وهو القرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم ، ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد .
والكتاب الكريم هو أول مصدر من مصادر التشريع ،وهو عمدة الشريعة ،وأصل أدلتها ،وإن مصادر التشريع جميعها ترجع إليه ،إما لأنها راجعة إليه في البيان والتوضيح ،وإما لأنها تعتبر حجة ومصدرا لدلالة القرآن عليها .
والكتاب في اللغة يطلق على المكتوب وعلى الكتابة ،ومنه قوله تعالى في سورة البقرة "كتب عليكم الصيام".
أما في الإصطلاح : فهو كلام الله الذي نزل به الروح الأمين على قلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محمد بن عبد الله بألفاظه العربية ومعانيه الحقة، ليكون حجة للرسول على أنه رسول الله ودستورا للناس يهتدون بهداه، وقربة يتعبدون بتلاوته، وهو المدون بين دفتي المصحف، المبدوء بسورة الفاتحة، المختوم بسورة الناس، المنقول إلينا بالتواتر كتابة ومشافهة جيلا عن جيل، محفوظا من أي تغيير أو تبديل، مصداق قول الله سبحانه في الآية 9 من سورة الحجر: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} .
ثانيا : السنة
السنة : هي المصدر الثاني بعد القرآن الكريم ،وتشمل على كثرة الفروع وجملة التفصيلات ،ودقة التنظيم التشريعي .. لكونها جاءت شارحة للقرآن الكريم ،ومفصلة لقواعده الكلية التي جاءت في محكم آياته ،ولذا يتحتم على المسلم الاعتماد عليها والإهتداء بنورها و الإستعانة بها على فهم كتاب الله .
السنة في اللغة : هي الطريقة والعادة ،حسنة كانت أم سيئة ،ومنه قوله تعالى في الآية 77 من سورة النساء {سُنَة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولاتجد لسنتنا تحويلا} ،وقوله صلى الله عليه وسلم : "من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة"
والسنة اصطلاحا هي ما صدر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قول، أو فعل، أو تقرير.
فالسنن القولية: هي أحاديثه - صلى الله عليه وسلم - التي قالها في مختلف الأغراض والمناسبات، مثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا ضرر ولا ضرار"، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "في السائمة زكاة"، وقوله - صلى الله عليه وسلم - عن البحر: "هو الطهور ماؤه، الحل ميتته"، وغير ذلك.
والسنن الفعلية: هي أفعاله - صلى الله عليه وسلم - مثل أدائه الصلوات الخمس بهيئاتها وأركانها، وأدائه مناسك الحج، وقضائه بشاهد واحد ويمين المدعي.
والسنن التقريرية: هي ما أقرّه الرسول - صلى الله عليه وسلم - مما صدر عن بعض أصحابه من أقوال وأفعال بسكوته وعدم إنكاره، أو بموافقته وإظهار استحسانه فيعتبر هذا الإقرار والموافقة عليه صادرا عن الرسول نفسه، مثل ما روي أن صحابيّين خرجا في سفر فحضرتهما الصلاة ولم يجدا ماء فتيمما وصليا، ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما ولم يعد الآخر، فلما قصّا أمرهما على الرسول أقرّ كلاَ منهما على ما فعل فقال للذي لم يعد: "أصبت السنة، وأجزأتك صلاتك"، وقال للذي أعاد: "لك الأجر مرتين". ومثل ما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - لما بعث معاذ بن جبل إلى اليمن قال له: "بم تقضي؟ " قال: أقضي بكتاب الله، فإن لم أجد فبسنة رسول الله، فإن لم أجد أجتهد برأيي، فأقرّه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقال: "الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله".
وقد أجمع المسلمون على أن ما صدر عن رسول الله، من قول أو فعل أو تقرير، وكان مقصودا به التشريع والإقتداء، ونقل إلينا بسند صحيح يفيد القطع أو الظن الراجح بصدقه يكون حجّة على المسلمين، ومصدراً تشريعيا يستنبط منه المجتهدون الأحكام الشرعية لأفعال المكلفين، وعلى أن الأحكام الواردة في هذه السنن تكون مع الأحكام الواردة في القرآن قانوناً واجب الإتباع.
ثالثا : الإجماع()
من الأدلة المتفق عليها الإجماع وقد أجمع المسلمون على أنه حجة شرعية ومصدر من مصادر التشريع الإسلامي في بيان الأحكام الشرعية ، وأنه لاتجوز مخالفته .
والإجماع لغة: العزم، والاتفاق.
واصطلاحاً: اتفاق جميع المجتهدين من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته في عصر من العصور على حكم شرعي.
والبرهان على حجية الإجماع ما يأتي:
أولا: أن الله سبحانه في القرآن كما أمر المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله أمرهم بطاعة أولى الأمر منهم، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء: 59] ولفظ الأمر معناه الشأن وهو عام يشمل الأمر الديني، والأمر الدنيوي، وأُولي الأمر الدنيوي هم الملوك والأمراء والولاة وأولو الأمر الديني هم المجتهدون وأهل الفتيا. وقد فسر بعض المفسرين على رأسهم ابن عباس أُولي الأمر في هذه الآية بالعلماء، وفسّرهم آخرون بالأمراء والولاة، والظاهر التفسير بما يشمل الجميع وبما يوجب طاعة كل فريق فيما هو من شأنه. فإذا أجمع أولو الأمر في التشريع وهم المجتهدون على حكم وجب اتّباعه وتنفيذ حكمهم بنص القرآن، ولذا قال تعالى {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83] ، وتوعد سبحانه من يشاقق الرسول ويتبع غير سبيل المؤمنين، فقال عز شأنه {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً} [النساء: 115] ، فجعل من يخالف سبيل المؤمنين قرين من يشاقق الرسول.
ثانيا: أن الحكم الذي اتفقت عليه آراء جميع المجتهدين في الأمة الإسلامية هو في الحقيقة حكم الأمة ممثلة في مجتهديها، وقد وردت عدة أحاديث عن الرسول، وآثار عن الصحابة تدل على عصمة الأمة من الخطأ، منها قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تجتمع أمتي على خطأ"، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لم يكن الله ليجمع أمتي على الضلالة"، وقوله: "ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن"، وذلك لأن اتفاق جميع هؤلاء المجتهدين على حكم واحد في الواقعة مع اختلاف أنظارهم والبيئات المحيطة بهم وتوافر عدة أسباب لاختلافهم دليل على أن وحدة الحق والصواب هي التي جمعت كلمتهم وغلبت عوامل اختلافهم.
والإجماع نوعان :
الإجماع الصريح: وهو أن يتفق مجتهدو العصر على حكم واقعة، بإبداء كل منهم رأيه صراحة بفتوى أو قضاء، أي أن كل مجتهد يصدر منه قول أو فعل يعبر صراحة عن رأيه.
وثانيهما: الإجماع السكوتي: وهو أن يبدي بعض مجتهدي العصر رأيهم صراحة في الواقعة بفتوى أو قضاء، ويسكت باقيهم عن إبداء رأيهم فيها بموافقة ما أبدي فيها أو مخالفته.
أما النوع الأول وهو الإجماع الصريح فهو الإجماع الحقيقي، وهو حجة شرعية في مذهب الجمهور.
وأما النوع الثاني وهو الإجماع السكوتي فهو إجماع اعتباري، لأن الساكت لا جزم بأنه موافقة، فلا جزم بتحقيق الاتفاق وانعقاد الإجماع، ولهذا اختلف في حجيته، فذهب الجمهور إلى أنه ليس حجة، وأنه لا يخرج عن كونه رأي بعض أفراد من المجتهدين.
الخ.....
رابط التحميل
جزاكم الله خيرا على كل ما تقومون به من مجهودات وجعل الله ذلك كله في ميزان حسناتكم.
ردحذف